مقال الشهر

التصميم الشامل وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

redaaa
البيئة العمرانية التي تستجيب لمتطلبات الإنسان اليوم هو موضوع كبير على المستوي العالمي اليوم .. ولايزال هناك عدم فهم عام لاحتياجات الناس من حيث متطلباتهم وقدراتهم الجسمانية والحسية على الأداء والتحديات في منطقتنا العربية في الواقع هي الأكبر ، كون أن هذا الموضوع يعتبر من المواضيع المهملة عربياً . إذا تعتبر البيئة العربية بيئة عدائية جداً للأشخاص ذوي الإعاقة ولاتستجيب في الواقع لادني متطلباتهم في الولوج إلى الفضاء الحضري .
بالنظر إلى جانب امكانية الوصول خصوصا لذوي الإعاقة فالواقع توجد حواجز معمارية وتخطيطية كثيرة جلية وقابلة للقياس تؤثر بشكل مباشر في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وتمنعهم في كثير من الاحيان او تحد من امكانية ولوجهم للفراع الحضري.
في ثقافتنا العربية يتم التركيز دائما على الإرادة والقدرات الفردية في نجاح الأشخاص ذوي الإعاقة ولا تركز على الأشخاص المعاقين كفئة لها حجمها خصوصا في المنطقة العربية وعلي الظروف البيئة المحيطة بهم والتي تؤثر سلباً وإيجابا في استقلاليتهم ومشاركتهم مع الآخرين. 
من الصعب على الأشخاص ذوي الإعاقة ان يتمتعوا بالاستقلالية وياخذوا مكانهم في المجتمع دون بيئة عمرانية ووسائل نقل واتصالات ميسرة لهم .
البيئة العمرانية شاملة الفراغ الخضري والمباني تشكل بيد مخططي المدن ، المعماريون ومهندسوا البناء وهي غالبا تستجيب لوصول واستعمال الفئات الفتية من المجتمع دون اعتبار إلى أن أفراد المجتمع يتضمنون فئة لايستهان بها من ذوي الاعاقة وكبار السن . 
ورغم أن الأمم المتحدة اقرت ” الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة ” والتي تتضمن في البند التاسع ” امكانية الوصول ” والتي يشار فيها إلى أن الدول الموقعة علي هذه الاتفاقية وجب عليها ان تكفل امكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع غيرهم إلى البيئة العمرانية المحيطة .
وقد صادق علي هذه الاتفاقية جل الدول العربية إلا أننا لم نرى سياسات فعلية وجادة تستجيب لالتزامات التوقيع على هذه الاتفاقية .
كما ان الافراد والفئات التي كانت حول تفعيل موضوع الاتفاقية هي في الغالب من النشطاء الحقوقين ومن المنظمات الخاصة بذوي الاعاقة ، ولايزال قطاع واسع غائب عن فلك هذه الاتفاقية وهو المعني الرئيسي بتنفيذها وعلي راس هؤلاء المخططون والمعماريون ومهندسوا البناء .
المسألة الجديرة بالتركيز هنا أيضا أن المعماريين ومهندسوا البناء في العالم بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص لايولون موضوع امكانية الوصول الاهتمام الكافي والسبب هنا في تقديري ليس فقط لعدم وجود تشريعات ملزمة بهذه التطبيقات بل يتعدي ذلك إلى غياب الوعي الكافي والتدريب الجيد وكذلك تضمين التعليم المعماري والهندسي لمبادئ وتطبيقات التصميم للجميع . إلى جانب غياب الضغط الكافي من قبل فئات المستفيدين في صورة احتجاج مركز يضع حرجاً وضغطا على المجتمع الهندسي بالقدر الذي يحقق استجابة جدية .
وهنا يمكن أن ننظر إلى الموضوع من وجه آخر ، إذا أن إمكانية الوصول للبئية العمرانية ووسائط النقل والتقنيات والمعلومات ليست فقط لفائدة فئة الاشخاص ذوي الاعاقة بل أن فئات أخرى اجتماعية تشترك مع فئة ذوي الاعاقة في الحاجة الي البئية الميسرة .
في مسألة إمكانية الوصول للبيئة العمرانية ووسائط النقل والتقنيات الصعوبات التي تواجه الاشخاص ذوي الاعاقة هي ذاتها قد تواجه فئات اخري كالمسنين واصحاب الامراض المزمنة والامهات الحوامل وحاملي الامتعة واصحاب الامراض المزمنة ….الخ
خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة، 2002 والتي هي أيضا اشتملت على التأكيد على أن تكون البيئة العمرانية بيئة داعمة لحركة وتواصل كبار السن وكذلك تصميم البيوت الصديقة للشيخوخة وضمان وصولهم للمباني والفراغ المفتوح.
ولذا فان التوجه للتصميم الشامل ” التصميم للجميع ” واقرار سياسات وخطط وفق مفهوم ومبادئ التصميم للجميع هو الاتجاه جدير بالاهتمام . اذ يعرف التصميم الشامل بانه : مقاربة التصميم إلى القياس الذي يجعل المنتجات والبيئة المادية (المرافق) ووسائل الاتصال تأخذ بعين الاعتبار أوسع شريحة ممكنة من الناس في مجتمعاتنا بصرف النظر عن تنوعهم وأعمارهم وقدراتهم .
وتقول الدراسات والرؤى التخطيطية أن التصميم الشامل هو اساسي وضروري لفئة من الناس تتراوح من 10 إلى 30 % وداعم ومفيد لـ 50 % من الناس كما انه مريح لنسبة 100% من الناس .
التصميم الشامل ” التصميم للجميع ” يعتبر الادارة الانسب في ربط الصلة بين مجتمع الاشخاص ذوي الإعاقة وأنصار قضية البيئة العمرانية الميسرة في التعامل مع هذه المسألة ذلك أن التصميم الشامل يتعدي النظر لفئات ذوي الاعاقة وكبار السن الي النظر الي التنوع البشري بشكل عام .
ولان التصميم الشامل لا يقتصر فقط على النظرة الإنسانية بل يتعداها إلى أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية لذا فإن التطور والحاجة إليه هنا قد تكون أكثر إلحاحا ويكون للقضية أنصار أقوى .
وهنا يجدر بالاشخاص ذوي الاعاقة ومنظماتهم المطالبة بحقوقهم وأن لا يختزلوا مطلب حق الوصول في متطلبات الكرسي المتحرك ولا حتى متطلبات باقي الفئات الاخري الحركية والبصرية والسمعية بل يجعلوا مطالبهم ضمن مطلب عام يشمل فئتهم وفئات اجتماعية أخرى ويهدف إلى تحقيق حياة أفضل ـ مجتمع يحتوي الجميع ومستوى معيشة أفضل من خلال التوجه للتصميم الشامل ذلك أجدى من أن يلقي استجابة مجتمعية أوسع .
وهنا سيكون الأمر متعلقاً بالمجتمع ككل في طموحه نحو بيئة عمرانية أكثر ملائمة للعيش ومريحة وأكثر تمكيناً من الحركة والمشاركة التي تحمل نوعية حياة أفضل. وسيكون ذلك في إطار مايشهده التطور أيضا في السوق الجديدة والتي يقودها الابتكار في جميع القطاعات خصوصاً صناعة البناء والتشييد، والخدمات البيئية، الترفيه والثقافة، والنقل، وتكنولوجيا المعلومات والخدمات. وبذلك تدمج قضية الإعاقة والوصول للبيئة العمرانية ضمن قضايا التمنية والتطور بشكل عام ويحدث الربط المناسب مع متخذي القرار واللاعبين الأساسيين في تشكيل البيئة العمرانية . و يترسخ فهم لإمكانية الوصول متوازي مع مفهوم تطوير جودة و نوعية الحياة الحضرية.
وهذا الامر يتيح لنا طرح قضية الإعاقة لتكون متداخلة مع قضايا أخرى وجزء لا يتجزأ في مسألة التنمية والتطور الاجتماعي والاقتصادي بشكل عام .
مهندس : احمد الرضا
الهيئة الليبية للبحث والعلوم والتكنولوجيا

الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي

هيئة وطنية تطبق نظاماً تضامنياً إجتماعياً شاملاً، توفر خدمات متميزة في متناول الجميع، مستندةً إلى معايير عالمية وقيم اجتماعيـة، وتسهم في الرفع من مستوى معيشة الفرد والأسرة والمجتمع من خلال أنظمة متكاملة تتبنّى السياسات التي تنظر للمستقبل وتتنبأ بالتحديات.
إغلاق
إغلاق